المقدمة:
لقد شغلت قضية الديمقراطية المفكرين السياسيين في العالم العربي منذ فجر النهضة العربية المعاصرة، أي منذ ما يقرب من قرنين من الزمان. وقد تغير مفهوم الديمقراطية وتعدل منذ ذلك الوقت تحت تأثير مجموعة متنوعة من التطورات الاجتماعية والسياسية. ولعل أول من أثار حوارا حول الفكرة الديمقراطية في العالم العربي هو الشيخ رفاعة الطهطاوي، الذي كان لويس عوض يطلق عليه لقب أبو الديمقراطية المصرية. وكان الطهطاوي (1801-1873) بعد تخرجه من الأزهر قد أرسل إلى فرنسا إماما مرافقا لفرقة عسكرية ابتعثها محمد علي إلى هناك للتعلم والتدريب، فأحسن استغلال وجوده بالإقبال على تعلم العلوم الغربية بحماسة منقطعة النظير، فأتقن اللغة الفرنسية ودرس الفلسفة اليونانية والجغرافيا والمنطق، وقرأ مؤلفات رواد الفكر الفرنسي مثل فولتير وروسو. وما أن عاد إلى القاهرة حتى ألف في عام 1834 كتاباً بعنوان "تخليص الإبريز إلى تلخيص باريز" دون فيه مشاهداته حول عادات ومسالك أهل فرنسا، وكال المديح للنظام الديمقراطي الذي نشأ فيها ووصف مشاعره تجاه انتفاض الأمة الفرنسية للدفاع عن الديمقراطية من خلال ثورة 01830 ضد الملك تشارل العاشر. وحرص الطهطاوي على إثبات أن النظام الديمقراطي الذي كان شهده في فرنسا ينسجم انسجاما تاما مع تعاليم الإسلامي ومبادئه ومن هنا بدأ الحديث عن الديمقراطية في الاسلام.
سيتم التحدث خلال البحث عن ابرز ما جاء على لسان العلماء والشيوخ عن الاسلام والديمقراطية وابرز ما تم التوصل اليه حول هذا الموضوع.
بعض الاعلام الذين تحدثوا عن الديمقراطية:
من الأعلام الذين كان لهم السبق في هذا المجال خير الدين التونسي، رائد حركة الإصلاح التونسية في القرن التاسع عشر، والذي كان عام 1827 قد وضع خطة شاملة للإصلاح ضمنها كتابه "أقوم المسالك في تقويم الممالك". وبينما توجه خير الدين التونسي من خلال كتابه إلي سياسيي وعلماء عصره حاثاً إياهم على انتهاج كل السبل الممكنة من أجل تحسين أوضاع الأمة والارتقاء بها، فقد حذر من مغبة رفض تجارب الأمم الأخرى انطلاقاً من الظن الخاطئ بأنه ينبغي نبذ كل الكتابات أو الاختراعات أو التجارب أو التصرفات الناشئة عن غير المسلمين. وطالب التونسي بإنهاء الحكم المطلق المضطهد للشعوب والمدمر للحضارات.وسعياً منه لإنفاذ خطته الإصلاحية، أنشأ خير الدين التونسي المدرسة الصادقية لتعليم الفنون والعلوم الحديثة ضمن إطار القيم الإسلامية. وقد جاء في إعلان تأسيس المدرسة أن الهدف منها هو تدريس القرآن والكتابة والمعارف المفيدة، أي العلوم الشرعية واللغات الأجنبية والعلوم العقلانية التي قد يستفيد منها المسلمون شريطة ألا تكون مناقضة للعقيدة. وجاء فيه أيضا إنه يتوجب على الأساتذة أن ينموا في الطلاب حب العقيدة عبر إبراز محاسنها وتميزها، وعبر إخبارهم بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم والمعجزات التي تحققت على يديه، وتذكيرهم بصفات الصالحين.[
أما جمال الدين الأفغاني (1838-1897) فقد توصل بعد تقص لأسباب انحطاط المسلمين أن مرجع ذلك هو غياب العدل والشورى وعدم تقيد الحكومة بالدستور. ولذلك فقد رفع لواء المطالبة بأن يعاد للشعب حق ممارسة دوره السياسي والاجتماعي عبر المشاركة في الحكم من خلال الشورى والانتخابات.
وقد سار على نهج الأفغاني تلميذه محمد عبده (1849-1905) الذي رأى بأن أهم تحد يواجه الأمة الإسلامية هو نظرتها إلى العلاقة بين الإسلام والعصر. وفي محاولة للتوفيق بين المبادئ الإسلامية وبعض الأفكار الغربية اقترح عبده بأن مصطلح المصلحة عند المسلمين يقابل المنفعة عند الغربيين، وبأن الشورى تقابل الديمقراطية وأن الإجماع يقابل رأي الأغلبية. ولدى معالجته إشكالية السلطة، أكد عبده بأنه لا يوجد حكم ديني (ثيوقراطية) في الإسلام، معتبرا أن مناصب الحاكم أو القاضي أو المفتي مناصب مدنية وليست دينية. ودعا في هذا المجال إلى إعادة إحياء الاجتهاد للتعامل مع الأولويات والمسائل الطارئة والمستجدة على الفكر الإسلامي.
في نفس الفترة تقريباً، تألق نجم عبد الرحمن الكواكبي (1849-1903) الذي ألف كتابين حول هذه القضايا، الأول بعنوان "طبائع الاستبداد" والآخر بعنوان "أم القرى". في كتابه الثاني، تصور الكواكبي حواراً بين عدد من المفكرين ينحدرون من مدن مختلفة في العالم الإسلامي جمعهم في مكة المكرمة مؤتمر عقد خلال موسم الحج لتبادل الرأي حول أسباب انحطاط الأمة الإسلامية. ومن الأفكار التي حرص الكواكبي على طرحها ما جاء على لسان البليغ القدسي: "يخيل إلى أن سبب الفتور هو تحول نوع السياسة الإسلامية، حيث كانت نيابية اشتراكية، أي ديمقراطية تماماً، فصارت بعد الراشدين بسبب تمادي المحاربات الداخلية ملكية مقيدة بقواعد الشرع الأساسية، ثم صارت أشبه بالمطلقة"، وما جاء على لسان الرومي: "إن البلية أن فقدنا الحرية". ويخلص الكواكبي في النهاية إلى أن التقدم مرتبط بالمحاسبة بينما التخلف مرتبط بالاستبداد.
أما محمد رشيد رضا (1856-1935) فرأى أن سبب تخلف الأمة يكمن في أن المسلمين فقدوا حقيقة دينهم، وأن ذلك مما شجعه الحكام الفاسدون، لأن الإسلام الحقيقي يقوم على أمرين: الإقرار بوحدانية الله، والشورى في شؤون الدولة. واعتبر أن الحكام المستبدين حاولوا حمل المسلمين على نسيان الأمر الثاني بتشجيعهم على التخلي عن الأمر الأول. وأكد أن أعظم درس يمكن أن يستفيده أهل الشرق من الأوروبيين هو معرفة ما يجب أن تكون عليه الحكومة.
لقد حاول مفكرو القرن التاسع عشر - الذين تأثروا ولاشك بفكر وممارسة الديمقراطية الأوروبية - إثبات وجود تشابه بين الديمقراطية والمفهوم الإسلامي للشورى، وسعوا في مواجهة أزمة الحكم الخانقة والفساد والسلوك المستبد للحكام في العالم الإسلامي إلى تبرير اقتباس جوانب من النموذج الغربي اعتقدوا بتوافقها مع الإسلام وقدرتها على إخراج المجتمعات العربية من أزمتها السياسية. يرى الشيخ راشد الغنوشي بأن هؤلاء الرواد ابتداء من الطهطاوي ومروراً بخير الدين التونسي وانتهاء برشيد رضا لم يكن أحد منهم ليفكر قط في وضع الدين أو جزء منه موضع اتهام أو شبهة أو يستهدف تغييره أو تبديله، وإنما كان سعيهم يستهدف تجديد في فهم الدين وطرائق تطبيقه والاستناد إلى علماء مجددين قدامى ومحدثين لتبرير الاقتباس من الغرب على اعتبار أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، وأن الدين إنما جاء لتحقيق مصالح العباد، وأنه حيث المصلحة فثم شرع الله.
الإخوان المسلمون:
إلا أن تحولا طرأ على هذه النزعة بعيد الحرب العالمية الأولى، وخاصة بعد الإعلان رسميا عن سقوط نظام الخلافة الإسلامية عام 1924، ذلك الحدث الذي فجع به المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بالرغم من أن كثيرين منهم تكبدوا كثيرا من المعاناة في أواخر عهد الدولة العثمانية بسبب استشراء الفساد وانتشار المظالم. فرغم كل ذلك كانت الخلافة الإسلامية تراثا تنظيمياً ارتبط بمشاعر المسلمين لقرون طويلة، وكانت رمزاً لوحدتهم ودرعاً لدينهم وكيانهم الدولي. وإثر سقوط الخلافة، لم يعد التحدي الذي يواجه المسلمين هو الاستبداد، بل ضياع رمز الوحدة الإسلامية التي كان الإصلاحيون يبذلون كل ما في وسعهم لإصلاحه والحفاظ عليه من الزوال. في تلك الحقبة، تحولت النظرة إلى الديمقراطيات الأوروبية التي طالما أعجب بها الإصلاحيون، فأصبحت السمة الغالبة عليها أنها قوى إمبريالية مزقت الخلافة وتقاسمت تركتها وتداعت على المسلمين كما تداعى الأكلة على قصعتها. وأصبح مصدر الخطر هو مخطط التغريب الذي بذل فيه المستعمرون جل جهدهم، والذي ما اقتصر على سلب الخيرات وشل الإرادات بل بات يهدد هوية الأمة المستمدة من عقيدتها ولغتها. وبذلك تبدلت الأولويات وأصبح رأس الأمر هو الكفاح لتحرير ديار العروبة والإسلام وحماية الثقافة من الطمس والتبديل، وتحولت دعوة الإصلاح السياسي إلى دعوة للتجديد.
ولعل أبرز مظاهر هذا الموقف ما مثلته جماعة الإخوان المسلمين في مصر التي تأسست عام 1928 كرد فعل على إسقاط الخلافة، كما ورد على لسان مصطفى مشهور، المرشد الخامس للجماعة، والذي أكد أن حسن البنا، مؤسس الجماعة ومرشدها الأول، قام ليعلن أن إعادة الخلافة فرض عين على كل مسلم ومسلمة.
وكان حسن البنا قد وجه رسالة إلى رؤساء وملوك الدول الإسلامية في حزيران (يونيو) 1947 طالبهم فيها بتحمل مسؤولياتهم والقيام بمهمة خدمة الأمة، وهي المهمة التي قال إنها تنقسم إلى شقين: الأول تخليص الأمة من القيود السياسية حتى تنال حريتها ويرجع إليها ما فقدت من استقلالها وسيادتها، والثاني بناؤها من جديد لتسلك طريقها بين الأمم وتنافس غيرها في درجات الكمال الاجتماعي.
لم يكن حسن البنا منظراً سياسياً بقدر ما كان زعيماً وطنياً ملهماً استحوذ على اهتمامه استنفار الأمة ضد الاستعمار والتنبيه إلى آثاره السلبية على المجتمع. دعا البنا إلى استعادة الحكم الإسلامي على قواعد ثلاث هي مسؤولية الحاكم ووحدة الأمة واحترام إرادتها. وفي معرض تحليله لأسباب النجاح الأوروبي، رأى البنا حتمية انهيار الحضارة الغربية بسبب ما تفشى فيها من ضعف الأخلاق والربا واضطراب النظم السياسية. كما اعتبر الأحزاب السياسية أحد العوامل المؤذنة بأفول نجم أوروبا. ومع أن البنا ترشح للانتخابات النيابية في مصر مرتين، ورغم حرصه على التأكيد على أن النظام البرلماني والدستوري ينسجم من حيث المبدأ مع نظام الحكم الإسلامي، إلا أنه كان يعارض التعددية الحزبية، ويرى أن الأحزاب السياسية تهدد الوحدة الإسلامية، التي اعتبرها أساسية لاستعادة نظام الخلافة. وفي ذلك قال البنا: "لقد انعقد الإجماع على أن الأحزاب المصرية هي سيئة هذا الوطن الكبرى، وهي أساس الفساد الاجتماعي الذي نصطلي بناره الآن، وأنها ليست أحزاباً حقيقية بالمعنى الذي تعرف به الأحزاب في أي بلد من بلاد الدنيا، فهي ليست أكثر من سلسلة انشقاقات أحدثتها خلافات شخصية بين نفر من أبناء هذه الأمة اقتضت الظروف في يوم ما أن يتحدثوا باسمها وأن يطالبوا بحقوقها القومية.... ولا مناص بعد الآن من أن تحل هذه الأحزاب جميعاً ، وتجمع قوى الأمة في حزب واحد يعمل لاستكمال استقلالها وحريتها، ويضع أصول الإصلاح الداخلي العام..."
في نفس الوقت، وفيما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، استمر منتسبو التيار الليبرالي في العالم العربي، كأسلافهم من رواد العلمنة في القرن التاسع عشر، في الدعوة إلى التغريب، ونادوا بصياغة دساتير وأنظمة قانونية حديثة تحاكي التجربة الأوروبية في استبعاد الدين من شؤون الحياة العامة. ورفعوا شعار "فصل الدين عن الدولة" معتبرين أن الإسلام كان السبب وراء تخلف العرب. ويذكر في هذا المجال أن إلغاء الخلافة عام 1924 كان قد أثار جدلًا في أوساط المفكرين آنذاك حول أهمية الخلافة وحول رد فعل المسلمين على سقوطها. وكانت أخطر مساهمة في هذا الجدل للشيخ علي عبد الرازق (1888-1966)، الذي كان بعد تخرجه من الأزهر قد قضى بضع سنين في أكسفورد ببريطانيا متابعاً للدراسات العليا. تمثلت مساهمة علي عبد الرازق في كتاب مثير بعنوان "الأسلام وأصول الحكم" ادعى فيه أن الإسلام دين لا دولة، ونفى وجود نظام سياسي في الإسلام وأنكر الدور السياسي للنبي صلى الله عليه وسلم بحجة أن ولايته على قومه كانت ولاية روحية.
الاستقلال والإرث الاستعماري:
استثار الاستعمار شعوب المسلمين، فنهضوا ثائرين يناضلون لاستعادة الاستقلال. إلا أن زعامة الحركات التحررية - التي كان منشؤ كثير منها إسلامياً - آلت إلى النخب المتغربة التي تحولت فيما بعد إلى أنظمة مستبدة حلت محل المستعمر لتقوم نيابة عنه بكافة مهامه. ولذلك تعرض الإسلام، دينا وثقافة، خلال فترة ما بعد الاستقلال لهجوم شرس باسم الحداثة والتحديث. فلقد حول الأزهر إلى جامعة علمانية وأغلقت أبواب جامعة الزيتونة في تونس، وأممت الأوقاف وحلت المحاكم الشرعية أو همش دورها تماماً ، وحظرت الأحزاب والتجمعات السياسية. ووجهت للإخوان المسلمين خلال الحقبة الناصرية ضربات متتالية تمخضت عن إعدام مجموعة من رموزها وسجن المئات من أعضائها ودفع ما تبقى منهم للفرار أو العمل السري.
وبذلك تغير نوع التحدي مرة أخرى، ولم يعد النضال من أجل الاستقلال هو المطروح، وإنما الكفاح لمقاومة الهجوم الشرس على الإسلام وعلى الهوية الثقافية للأمة لا من قبل المستعمر بل من قبل أنظمة الحكم التي سادت بعد الاستقلال. منذ ذلك الوقت وحتى مطلع السبعينيات كان الفكر السائد في أوساط الحركة الإسلامية هو فكر أبي الأعلى المودوي وأبي الحسن الندوي وسيد قطب.
منذ منتصف الخمسينيات أصبح سيد قطب (1906-1966)، الذي اعتقل عام 1954 لعشر سنين ثم أعدم عام 1966، المنظر الرئيس للإخوان المسلمين، وصار كتابه "معالم في الطريق" - الذي صنف ردا على بطش النظام الناصري بالإخوان - من أكثر الكتب انتشارا في العالمين العربي والإسلامي، وخاصة بعد هزيمة العرب في حرب عام 1967. وضع قطب في هذا الكتاب نظريته حول الجاهلية التي جاء الإسلام لينقذ البشرية منها، فقسم الأنظمة الاجتماعية بناء على هذه النظرية إلى نوعين: النظام الإسلام والنظام الجاهلي. واعتبر هذا الأخير فاسداً من النوع الذي ساد في جزيرة العرب قبل الإسلام، والذي خضع الناس بموجبه لا لخالقهم وإنما للطواغيت. وجزم قطب بأن المجتمع الإسلامي نفسه ينقسم إلى قسمين: قسم إسلامي وآخر جاهلي، وبأن الجاهلية الآن لم تعد مقتصرة على الغرب الرأسمالي والشرق الشيوعي، بل وصلت عدواها إلى العالم الإسلامي. فتصورات الناس ومعتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم ومصادر ثقافتهم وفنونهم وآدابهم وقوانينهم، والفلسفة الإسلامية والفكر الإسلامي، صارت كلها حسب رأيه من صنع الجاهلية ويظنها كثير من الناس ثقافة إسلامية.
رغم تأثر سيد قطب بفكر المودودي حول قضية الجاهلية، إلا أنه خالفه فيما يتعلق بالديمقراطية. فقد كان المودودي يرى أن الإسلام بإرسائه مبدأ الشورى دين ديمقراطي، ولذلك فقد دعى - رغم تحفظه على الممارسة الغربية للديمقراطية الليبرالية - إلى إعطاء الديمقراطية فرصة لتتكيف وتنجح في البلدان الإسلامية. أما سيد قطب فاتخذ موقفاً حازماً ضد أي محاولة للتوفيق بين الإسلام والديمقراطية، وعارض بشدة وصف الإسلام بأنه ديمقراطي، ودعا إلى دكتاتورية عادلة تضمن الحريات السياسية للصالحين فقط. وكان يتساءل إذا كان نظام الحكم الديمقراطي قد أفلس في الغرب، فلماذا نستورده نحن في الشرق؟ مما لاشك فيه أن سيد قطب ومن تأثر بفكره انطلقوا في معالجتهم لموضوع الديمقراطية من موقع مناهض للغرب، ولا يخفى أن خطاباتهم لا تبدى أدنى اهتمام بأصل أو طبيعة أو تطور أو حتى تنوع الفكرة أو الممارسة الديمقراطية، وإنما يغلب عليها التنديد بسياسات ومسالك الحكومات الديمقراطية في الغرب التي كابد العرب والمسلمون بسبب سياساتها الخارجية وبسبب عدوانها على شعوب الأرض، وبالتالي فإن الموقف الرافض للديمقراطية لا يعدو كونه رد فعل.
في هذه الأثناء ظهرت مدرسة فكرية مختلفة في المغرب العربي تعود جذورها إلى ما أرساه خير الدين التونسي في القرن التاسع عشر من أفكار وما تركه محمد عبده من آثار بعد زيارته لتونس مرتين متتاليتين أقام خلالهما علاقات متينة مع عدد من المفكرين هناك وحثهم على تطوير جامع الزيتونة. كما تعود إيضا إلى أعلام من أمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس أحد مؤسسي جمعية علماء الجزائر عام 1931، والثعالبي والطاهر الحداد وعلال الفاسي، ثم المفكر الجزائري مالك بن نبي (1905-1973)، الذي جمع بين الثقافتين الإسلامية والفرنسية وكان يرى أن نهضة أوروبا أفادت المسلمين من حيث أنها حفزتهم على القيام من غفلتهم وعلى البحث عن مخرج مما هم فيه من تخلف سب به انعدام القدرة على التفكير وتردي المعنويات وفساد الخلق. ومن أهم المواضيع التي شغلت بن نبي وكتب وحاضر فيها قضايا الحضارة والثقافة والمفاهيم والاستشراق والديمقراطية.