المقدمة:
رفيق بهاء الدين الحريري هو رئيس وزراء لبناني سابق ورجل أعمال، ويحمل الجنستين اللبنانية والسعودية لعب دورا مهما في إعمار لبنان بعد فترة الحرب الأهلية اللبنانية.
كان رفيق الحرير بليونيرا بنى ثروته بنفسه، تولى رئاسة وزراء لبنان مرتين بين العامين 1992 و 1998 م وبين العامين 2000 و 2004 م. استقال من منصبه في 20 أكتوبر 2004 م. تمّ اغتياله في 14 فبراير 2005 عندما انفجر ما يعادل 1000 كغم من التي أن تي (TNT) لدى مرور موكبه بجانب فندق سانت جورج في العاصمة اللبنانية بيروت. تحملت سوريا جزءًا من غضب الشارع اللبناني والدولي وذلك بسبب الوجود السوري العسكري والاستخباراتي في لبنان، وكذلك بسبب الخلاف بين الحريري وسوريا قبل تقديم الحريري لاستقالته. قامت لجنة من الأمم المتحدة بقيادة ديتليف ميليس بالتحقيق في الحادث، حيث أشار التقرير إلى إمكانية تورط عناصر رسمية سورية وأفراد من الأمن اللبناني. ويتولى التحقيق الآن سيرج براميرتز. ويشار أن رفيق الحريري كان متمسكًا بالقرار 1559 الصادر من مجلس الأمن, كما إنه كان متمسكاً بحق لبنان بالمقاومة وإسترجاع ألارض من المحتل الإسرائيلي, ويعتقد أنه سبب اغتياله تمسكه به.وسيتم التحدث خلال البحث عن ابرز محطات حياته السياسية والاجتماعية .
نشاته:ولد رفيق بهاء الحريري في صيدا عام 1944 وهو أبن لمزارع . وعقب اتمامه تعليمه الثانوي عام 1964 التحق الحريري بالجامعة العربية ببيروت حيث درس المحاسبة. خلال تلك الفترة. كان عضوا نشطا في حركة القوميين العرب التي كانت في صدارة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش.
هجرته الى السعودية:في عام 1965 قطع الحريري دراسته بسبب النفقات المالية وهاجر إلى السعودية حيث عمل كمدرس للرياضيات في جدة ، ثم كمحاسب في شركة هندسية ، ثم انشأ شركته الخاصة للمقاولات عام 1969.
وقد برز دور الشركة كمشارك رئيسي في عمليات الاعمار المتسارعة التي كانت المملكة تشهدها في تلك الفترة. ونمت شركته بسرعة خلال السبعينيات حيث قامت بتنفيذ عدد من التعاقدات الحكومية لبناء المكاتب والمستشفيات و الفنادق والقصور الملكية.
وفي أواخر السبعينيات قام الحريري بشراء شركة الإنشاءات الفرنسية الضخمة "اوجير" وأصبح وشركته على قمة إمبراطورية المقاولات في العالم العربي. ونتيجة لنشاطاته وسمعته الطيبة كلف الحريري ببناء فندق مسرة بالطائف في غضون ستة أشهر لاستضافة القمة الإسلامية.
وقد حظي الحريري باحترام وثقة الأسرة الحاكمة السعودية ومنح الجنسية السعودية عام 1978.
حلمه باعادة اعمار لبنان:وبحلول مطلع الثمانينيات أصبح الحريري واحدا من 100 أغنى رجل في العالم واتسع نطاق إمبراطوريته ليتضمن شبكة من البنوك والشركات في لبنان والسعودية، إضافة إلى شركات للتأمين والنشر ، و الصناعات الخفيفة، وغيرها.
وفي عام 1979 أسس المعهد الإسلامي للدراسات العليا في مسقط رأسه في مدينة صيدا ، وفي نفس العام أسس مؤسسة الحريري للثقافة والتعليم العالي التي قامت بسداد تكاليف ومصرفات التعليم والدراسة لآلاف الطلاب اللبنانيين في الجامعات اللبنانية، وأوروبا والولايات المتحدة. وفي عام 1983 قام ببناء مستشفى و مدرسة ثانوية وجامعة ومركز رياضي كبير في كفر فالوس في لبنان.
كما ساهم الحريري في جهود إعادة اعمار لبنان وكان له دور في تمويل بعض الجماعات المسلحة خلال الحرب.وقد قيل أيضا إن الحريري قام بتمويل ميليشيات متحاربة خلال الحرب الأهلية وهي نفس الميليشيات التي قامت بتدمير وسط بيروت التجاري الذي كان يحلم بإعادة بنائه.
وقد ضخ الحريري أموالا ضخمة في مشروعات إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية التي عاشتها . وقد تعرض الحريري فيما بعد لانتقادات عديدة، منها اتهامات بالمساهمة في تدمير وسط بيروت من أجل إعادة بنائه والحصول من وراء هذه العملية على مليارات من الدولارات.
وقد عمل الحريري خلال الثمانينيات كمبعوث شخصي للعاهل السعودي الملك فهد في لبنان وكان على رأس جهود الوساطة السعودية.
ومن أهم ما قام به المساهمة في تحقيق مشاركة كل الأطراف المتنازعة في مؤتمر الحوار الوطني في جنيف عام 1983، وكذلك المؤتمر الثاني الذي انعقد في لوزان بسويسرا في العام نفسه.
الحريري وسوريا للوصول الى لبنان:
وبينما ظل ظاهريا مبعوث السعودية إلى لبنان، كان الحريري، الذي أدرك أين يوجد مركز القوة، يمضي في دمشق وقتا أطول مما يقضي في بيروت.
وقد بذل الحريري جهدا كبيرا في العمل من أجل الحصول على ثقة نظام الأسد في سوريا بعد أن أدرك أن الطريق إلى تحقيق مستقبل سياسي في لبنان يمر عبر سوريا. وقد شيدت شركة المقاولات التي يمتلكها قصرا رئاسيا في دمشق وقدمتها هدية للرئيس حافظ الأسد (الذي لم يكترث كثيرا بهذا القصر فتحول إلى مركز فخم للمؤتمرات).
وقام الحريري كثيرا بجهود للوساطة بين دمشق والكثير من الشخصيات السياسية اللبنانية خلال العقد الأخير من الحرب الأهلية اللبنانية.
وفي عام 1986 كان الحريري وراء عودة الزعيم السابق للقوات اللبنانية إيلي حبيقة إلى لبنان ثم قام بتمويل إنشاء ميليشيا مسلحة موالية لسوريا.
ولعب الحريري أيضا دورا بارزا في التوسط بين الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل والسوريين، الذين كانوا يقضون بانتظام على كل مبادرة لتحقيق المصالحة الوطنية في لبنان لا تمنح سوريا وجودا أساسيا كاسحا هناك.
وفي خريف عام 1985 سعى الحريري - دون نجاح - إلى الحصول على موافقة الرئيس الجميل على ما يسمى بالاتفاق الثلاثي الذي كان سيرسي أساسا شرعيا للاحتلال السوري للبنان.
وفي خريف سنة 1977 نشبت أزمة سياسية في البلاد حينما رفضت الميليشيات اللبنانية بدعم سوري السماح لبرلمانيين بالاجتماع لانتخاب رئيس جديد.
وعينه الجميل مشرفا عسكريا ليتولى مهام الرئاسة لحين انتخاب رئيس، قبل انتهاء فترته الرئاسية بخمسة عشر دقيقة. وفي تلك الأثناء، حاول العماد ميشيل عون رئيس الوزراء المؤقت، إخراج القوات السورية من لبنان وباءت محاولة عون بالفشل مما زاد الموقف تعقيدا.
ساهم الحريري في إنجاح مساع لعقد مؤتمر مصالحة وطنية بين البرلمانيين اللبنانيين في الطائف بالسعودية. وأقنع الحريري، بمساعدة سعودية، المجتمعين بقبول الوجود العسكري السوري على الأراضي اللبنانية.
اجتياح سوريا للبنان:وفي أكتوبر تشرين أول من عام 1990، قامت القوات السورية باجتياح بيروت، فبدأ الحريري مفاوضات مع الحكومة التي وضعتها سوريا لإعادة إعمار لبنان. واتهم معارضو الحريري بأنه رشى مسؤولين كبار في الحكومة وبأنه "أهدى" منزلا فخما للرئيس إلياس الهراوي.
وبحلول عام 1992، كان الحريري قد اشترى أسهما كثيرة جدا في عدة محطات تلفزيون وإذاعة وصحف لبنانية وصار اسمه يقترن بـ"منقذ لبنان".
وأطلقت دمشق يد حزب الله في صيف 1991 لكي يشن هجمات متكررة على إسرائيل، ومع الهجمات الانتقامية الإسرائيلية قبل غزو الجنوب، تدهور الاقتصاد اللبناني.
وأدى انهيار الاقتصاد اللبناني السريع إلى مشاكل اجتماعية ومظاهرات بسبب البطالة مما أدى إلى شلل مظاهر الحياة في لبنان.وفي تلك الأثناء بدأ الحريري يعلن عن الـ"مصير المشترك" بين بيروت ودمشق مما جعل تلك الأخيرة تتخلى عن ترددها في تسليم مفاتيح السلطة لذلك البليونير الطموح.
وبعد أن لعب الحريري دورا محوريا في الإشراف على العملية الانتخابية سنة 1992 بحيث يأتي البرلمان مؤيدا لدمشق، دعمت دمشق تعيين الحريري رئيسا للوزراء.
وزارة الحريري الأولى 1992 - 1998
قوبل تعيين الحريري رئيسا للوزراء بحماس كبير من غالبية اللبنانيين ، وخلال أيام ارتفعت قيمة العملة اللبنانية بنسبة 15% .
وقد تعهد الحريري بإعادة لبنان إلى ازدهارها السابق قبل الحرب كمركز للتجارة والنشاطات المصرفية لتصبح سنغافورة الشرق الأوسط، وقام بتخفيض الضرائب على الدخل إلى 10% فقط. وقام باقتراض مليارات الدولارات لإعادة تأهيل البنية التحتية والمرافق اللبنانية ، وتركزت خطته التي عرفت باسم "هورايزون 2000 "على إعادة بناء بيروت على حساب بقية مناطق لبنان.
خلال فترة رئاسته الأولى ارتفعت نسبة النمو في لبنان إلى 8% عام 1994 وانخفض التضخم من 131% إلى 29% واستقرت أسعار صرف الليرة اللبنانية.
وزارة الحريري الثانية 2000 - 2004
أدى عمق المشكلات الاقتصادية إلى زيادة الضغوط على وزارة الحريري الثانية من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، وعليه تعهد بتخفيض البييروقراطية و وخصخصة المؤسسات العامة التي لا تحقق ربحا.
واستقال الحريري في اكتوبر عام 2004 بعد خلاف مع الرئيس اللبناني ايميل لحود بشأن الموقف من الوجود السوري في لبنان.
فقد غير موقفه مؤخرا بعد أن أصبح زعيما للمعارضة في شهر أكتوبر تشرين أول الماضي حيث أصبح يعارض الوجود السوري على الأراضي اللبنانية ، وقد نشب الخلاف بعد أن عارض الحريري فكرة تعديل الدستور لتمديد فترة رئاسة الرئيس لحود لثلاث سنوات إضافية.
إنجازاته الدوليـة
في كانون الأول 1996 عُقِد أولُ مؤتمر دولي هدفُه الوحيدُ مساعدةُ لبنان في وزارة الخارجية في واشنطن، بدعوة من الولايات المتحدة. وشارك الرئيسُ الحريري في رعاية هذا الاجتماع، الذي حضرَهُ ممثلون عن منظمات دولية، ومؤسسات مالية وتجارية في أكثر من ثلاثين بلداً. وتعهَّد معظمُ البلدان المشاركة بتقديم المساعدة المالية والتقنية للبنان. وكانت العودةُ إلى الساحة الدولية أساسيةً بالنسبة إلى لبنان، وكذلك مواصلة جمع رأس المال اللازم لاستكمال جهود التنمية وإعادة الإعمار. فعُقِد مؤتمران مُهمّان: باريس-1 وباريس-2، التماساً لمساعدة المجتمع الدولي لبنان في إدارة دينه العام.
باريس-1في 27 شباط 2001، ترأسَّ رئيس الوزراء الوفد اللبناني إلى الاجتماع الثاني لأصدقاء لبنان في قصر الإيليزيه في باريس، بدعوة من الرئيس الفرنسي جاك شيراك. وأُطلِق على الاجتماع اسم باريس-1، وحضرَهُ، إلى الرئيس الحريري والرئيس شيراك، رئيس المفوضية الأوروبية رومانو برودي، ورئيس البنك الدولي جايمز ولفنسون، ونائب رئيس البنك الأوروبي للاستثمار فرانسيس ماير، ووزير المال الفرنسي لوران فابيوس، وغيرهم من كبار المسؤولين الأوروبيين والفرنسيين واللبنانيين.
مبادرات الإصلاح الأساسية المطروحة: عرض رئيس الوزراء رفيق الحريري برنامج حكومته للإصلاح الاقتصادي، الذي ارتكز على عدة عناصر أساسية هي:
• تحفيز الاقتصاد وتحديثه
• متابعة عملية تحديث النظام الضريبي
• تأمين التحسين البنيوي للمالية العامة الشاملة
• المحافظة على الاستقرار النقدي والمالي، إضافة إلى استقرار الأسعار
نتائج المؤتمر: حظِيَ برنامج الحكومة اللبنانية للإصلاح بدعم المشاركين في المؤتمر، واتفق البنك الدولي والبنك الأوروبي للاستثمار على منح لبنان مبلغاً بقيمة 500 مليون يورو لتمويل مشاريعه الإنمائية.
باريس-2
في 23 تشرين الثاني 2002، دعا الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى مؤتمر باريس-2، الذي عُقِد في قصر الإيليزيه تحت عنوان "بعد الإعمار والنهوض، في اتجاه التنمية المُستدامة". وحضرَ اجتماع باريس-2 مسؤولون مهمُّون في عدة بلدان ومؤسسات متعددة الأطراف.
أهداف المؤتمر: تمثَّلت هذه الأهداف بحشد دعم المجتمع الدولي من أجل مساعدة لبنان في جهوده الرامية إلى تخفيف عبء الدين العام وعكس الخلل في التوازن الذي يُعاني منه الاقتصاد اللبناني على مستوى الاقتصاد الكلي وعلى المستوى المالي. وتكمن المساعدة في تقديم تمويل طويل الأمد، بمعدلات فائدة أدنى بكثير من المعدلات التي كانت الحكومةُ قد استدانت بها في الأسواق المحلية والدولية.
مبادرات الإصلاح الأساسية المطروحة:
• الإصلاح البنيوي للإدارات والمؤسسات المختلفة
• تعزيز إنتاجية القطاع العام وتحسين القدرة التنافسية
• تحفيز النمو الاقتصادي وتحسين المناخ الاستثماري
نتائج المؤتمر: وفقاً لوزارة المال، نتج عن اجتماع باريس-2 مِنَحاً وقروضاً بقيمة 10.1 مليون دولار أميركي. فقد قدَّمت سبعُ دولٍ مانِحة أموالاً بقيمة 2.4 مليار دولار أميركي، ووضعت مصارفُ تجارية عاملة في لبنان خطةً تدرُّ مبالغ قيمتها 3.6 مليار دولار أميركي، ورسمت البنك الدولي خطةً أخرى لتوفير 4.1 مليار دولار أميركي.
اغتيال الحريري:استهدف رفيق الحريري بانفجار بسيارة مفخخة أثناء مروره بمنطقة المريسة غرب بيروت مما أسفر عن مقتله وبعض معاونيه، وأدت شدة الانفجار إلى هدم فندق سان جورج وبعض المباني المحيطة ومقتل عدد من الأشخاص.
وقع الانفجار حوالي الساعة الواحدة بعد ظهر اليوم الاثنين بتوقيت لبنان في منطقة تعج بالمؤسسات الاقتصادية.
الخاتمة:
مهما اختلفت الآراء والأفكار المسبقة برجل مثل الرئيس رفيق الحريري، سيظل علامة فارقة في تاريخ لبنان، ونقطة فاصلة في خريطته السياسية. وبصرف النظر عن هوية المخطط والمنفذ والمستفيد من اغتياله بل ومن تغييبه في هذه الظروف بالذات، يبقى لرحيله أثرا ربما ستمضي سنوات كثيرة قبل الإجابة عليها بدقة نظرا للموقع والحجم والدور الذي لعبه في الحياة السياسية اللبنانية والإقليمية والدولية.
وهو بهذا المعنى ليس مجرد رجل سياسة ودولة مر في تاريخ لبنان السياسي المعاصر، بقدر ما هو حقبة سياسية من الصعب ملؤها بسهولة.
اتمنى ان اكون قد استطعت ان اوفي هذا القائد العظيم حقه في هذا البحث المتواضع.